📁 آخر الأخبار

 طه حسين (1889-1973) هو أحد أبرز المفكرين والكتاب العرب في العصر الحديث، واشتهر بلقب "عميد الأدب العربي". 

 و في هذا المقال الذي أتمنى أن يروقكم، سأحاول تقريبكم جهد ما استطعت من حياة طه حسين، انجازته العلمية، دوره في الميدان السياسي و الاجتماعي و الثقافي.

طه حسين

1-حياته ونشأته:

وُلد طه حسين في 14 نوفمبر 1889 في قرية الكيلو، محافظة المنيا، مصر و بعدها فقد بصره في سن مبكرة بسبب مرض في عينيه ثم التحق بالكُتّاب لحفظ القرآن الكريم و درس في الأزهر، لكنه انتقد مناهجه لاحقًا و في عام 1908 التحق بالجامعة المصرية وكان من أوائل طلابها.

و كان متزوجا من سوزان بريسو، وهي فرنسية الجنسية التي لعبت دورًا كبيرًا في حياته حيث دعمته في مسيرته الأدبية والفكرية و أنجبت منه ابنتهما أمينة وابنهما مؤنس.

  • مؤنس طه حسين: كان باحثًا ومترجمًا، واهتم بنشر أعمال والده والعمل على ترسيخ إرثه الثقافي.
  • أمينة طه حسين: كانت مهتمة أيضًا بالشأن الثقافي والأدبي.
طه حسين مع زوجته و ابنه و ابنته

2- رحلته العلمية والدراسية:

حصل طه حسين على درجة الدكتوراه عام 1914 عن أطروحته حول "ذكرى أبي العلاء المعري" و بعد ذلك سافر إلى فرنسا في بعثة دراسية، حيث التحق بجامعة السوربون، وحصل على درجة الدكتوراه الثانية مما جعله يتأثر بالفكر الغربي، خاصة بفلاسفة التنوير مثل فولتير وديكارت و في عام 1919، عاد إلى مصر  ليبدأ مشواره الأكاديمي.

3- أعماله ومؤلفاته:

طه حسين كان كاتبًا غزير الإنتاج، وألّف العديد من الكتب في مجالات متعددة، منها السيرة الذاتية، والنقد الأدبي، والفكر الفلسفي، والتاريخ. إليك قائمة بأبرز أعماله:

الأيام

1-3- السيرة الذاتية

  • الأيام (1929-1955) – أشهر أعماله، وهي سيرته الذاتية في ثلاثة أجزاء، تحكي عن طفولته وفقدانه البصر، ثم رحلته التعليمية في الأزهر وفرنسا.

2-3- النقد الأدبي

4-3- التاريخ والدراسات الإسلامية
  • الفتنة الكبرى بجزأيها:
    • عثمان – يتناول الأحداث السياسية في عهد الخليفة عثمان بن عفان.
    • علي وبنوه – يناقش الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية.
  • مرآة الإسلام – يتناول تاريخ الإسلام وتأثيره.
  • الوعد الحق – سرد تاريخي بأسلوب روائي عن السيرة النبوية.
  • على هامش السيرة – قصص مستوحاة من حياة النبي محمد.

5-3- التعليم والثقافة

  • مستقبل الثقافة في مصر (1938) – من أهم كتبه، حيث دعا إلى التعليم المجاني والانفتاح الثقافي.
  • حياة أبو العلاء المعري – دراسة عن فكر وشعر المعري.
  • أديب – رواية ذات طابع فكري تناقش قضايا الأدب والفكر.

6-3- الفلسفة والفكر

4- مناصبه وإنجازاته:

عمل طه حسين أستاذًا للأدب في الجامعة المصرية و تم تعيينه عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1928، لكنه استقال احتجاجًا على تدخل الحكومة الا أنه في عام 1950، تولى منصب وزير المعارف ، وكان شعاره "التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن" و هو ما ساهم في تطوير التعليم وجعله مجانيًا في مصر.

5- أفكاره وتأثيره:

دعا إلى التجديد والانفتاح على الثقافة الغربية مع الحفاظ على الهوية العربية و دافع عن العقلانية والنقد العلمي في دراسة التراث الا أنه واجه هجومًا شديدًا من الأزهر و المحافظين بسبب آرائه حول الأدب والدين و رغم ذلك فان طه حسين يعد أحد رواد النهضة الثقافية والفكرية في العالم العربي.

6-التوجهات السياسية لطه حسين:

سميرة الكيلاني تحاور عميد الأدب العربي طه حسين

طه حسين لم يكن سياسيًا بالمعنى التقليدي، لكنه كان مفكرًا مؤثرًا في السياسة والثقافة المصرية، وكانت له مواقف واضحة تجاه قضايا الإصلاح، والحرية، والتعليم، والعلاقة بين الشرق والغرب. 

يمكن تلخيص توجهاته السياسية في عدة محاور:

1-6- الليبرالية والديمقراطية

كان طه حسين مؤمنًا بقيم الليبرالية والحرية الفردية، وكان يرى أن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هما الحل لتقدم مصرة كما أيّد الحريات الفكرية والتعبير، ودافع عن حق المرأة في التعليم والمشاركة في الحياة العامة.

2-6- دعم التعليم كمشروع وطني

عندما تولى وزارة المعارف (التعليم) عام 1950 في حكومة مصطفى النحاس، أعلن أن "التعليم كالماء والهواء، حق لكل مواطن"، وهو ما ساهم لاحقًا في جعل التعليم مجانيًا في مصر حبث كان يؤمن بأن التعليم هو المفتاح الحقيقي للتقدم، ورأى ضرورة تحديث المناهج والتخلص من أساليب الحفظ والتلقين.

3-6- القومية المصرية والانفتاح على الغرب

دافع طه حسين عن فكرة "مصر جزء من الحضارة المتوسطية"، ورأى أنها ليست فقط دولة عربية وإسلامية، بل يجب أن تستفيد من الثقافة الغربية الحديثة كما 
رفض فكرة القومية العربية المتشددة، وركز على الهوية المصرية ككيان مستقل يمكنه التعاون مع العرب دون الذوبان الكامل فيهم.

4-6- موقفه من الاستعمار والاستقلال

رغم انفتاحه على الفكر الأوروبي، كان طه حسين  من أشد المعارضين للاستعمار البريطاني في مصر، ودعا إلى الاستقلال الوطني كما دعم حزب الوفد بقيادة سعد زغلول في مقاومة الاحتلال البريطاني.

5-6- موقفه من ثورة 1952

في البداية، أيد ثورة 23 يوليو 1952 بسبب شعاراتها حول العدالة الاجتماعية والتعليم والإصلاح و لكنه بعد فترة، أصبح أكثر تحفظًا تجاه بعض سياسات عبد الناصر، خاصة فيما يتعلق بتقييد الحريات الفكرية والسياسية و رغم ذلك لم يكن طه حسين معارضًا للنظام، لكنه انتقد بعض مظاهر التسلط وكبت الحريات.

6-6- العلمانية والفكر الديني

كان طه حسين يدعو  إلى فصل الدين عن السياسة، لكنه لم يكن ضد الدين، بل رأى أن الإسلام يمكن أن يتماشى مع الحداثة والتطور.
  • كتابه "في الشعر الجاهلي" (1926) واجه معارضة شديدة من الأزهر لأنه استخدم المنهج النقدي العلمي في دراسة النصوص الدينية والتاريخية.

7-6- العلاقة مع الأنظمة السياسية

طه حسين مع جمال عبدالناصر
في عهد الملك فؤاد، دخل في صدام مع القصر بسبب آرائه، وفُصل من منصبه كعميد لكلية الآداب و لكنه في عهد الملك فاروق، تحسنت علاقته مع النظام، و رغم ذلك ظل ناقدًا للأوضاع السياسية الا أنه في عهد جمال عبد الناصر، تقلص دوره قليلاً، لكنه استمر في الكتابة والتأثير الفكري.

خلاصة القول، فان طه حسين كان ليبراليًا، ديمقراطيًا، مؤيدًا للتحديث، ومدافعًا عن التعليم والحرية الفكرية و دعم التعليم المجاني، رفض الاستعمار، انتقد الاستبداد، ودعا إلى الانفتاح على الثقافة الغربية مع الحفاظ على الهوية المصرية ورغم تأييده لبعض سياسات الدولة، ظل محافظًا على استقلاليته الفكرية .

7-التوجهات الدينية لطه حسين:

طه حسين كان مفكرًا تنويريًا، واستخدم المنهج العقلاني والنقدي في دراسة النصوص الدينية، مما جعله شخصية جدلية في الفكر العربي الحديث و هو لم يكن ضد الدين، لكنه دعا إلى فصل الدين عن السياسة وجعله مسألة شخصية وثقافية بعيدًا عن الاستخدام الأيديولوجي.

1-7- موقفه من الإسلام

كان طه حسين مسلمًا في معتقداته الشخصية، لكنه رأى أن الإسلام يجب أن يكون دينًا روحانيًا وأخلاقيًا، وليس أداة سياسية حيث أكد أن الإسلام يمكن أن يتماشى مع العقلانية والتقدم والحداثة رغم أنه لم ينكر تأثير الإسلام في تشكيل الحضارة العربية، لكنه كان يؤمن بأن تطور المجتمعات يجب أن يكون مبنيًا على الفكر النقدي وليس مجرد التمسك بالماضي.

2-7- النقد العلمي للنصوص الدينية والتاريخ الإسلامي

في كتابه "في الشعر الجاهلي" (1926)، استخدم المنهج الديكارتي الشكي في دراسة النصوص الجاهلية والإسلامية، مما أثار ضجة كبيرة لأنه شكك في صحة بعض الروايات التاريخية عن الشعر الجاهلي، وقال إنها قد تكون ملفقة لدوافع سياسية أو دينية في العصر الإسلامي و بسبب هذا الكتاب، تم اتهامه  بالكفر والإلحاد، وتمت محاكمته، لكن التهم أُسقطت لاحقًا، واستبدل اسم الكتاب بـ "في الأدب الجاهلي".

3-7- موقفه من الأزهر والمؤسسة الدينية

في شبابه، درس في الأزهر لكنه انتقد مناهجه التقليدية القائمة على الحفظ والتلقين، ودعا إلى تحديث التعليم الديني و بعدها دخل في صدام مع الأزهر بسبب آرائه الجريئة حول التاريخ الإسلامي والتفسير الديني.
رغم ذلك، لم يكن معاديًا للأزهر، بل دعا إلى إصلاحه ليكون مؤسسة تعليمية حديثة.

4-7- رؤيته لعلاقة الدين بالحداثة

دافع عن فكرة أن التقدم العلمي والفكري لا يتعارض مع الدين و رأى أن المجتمعات الإسلامية يمكن أن تستفيد من التجربة الغربية في التنوير والحداثة دون أن تتخلى عن هويتها كما كان يرى أن الإسلام ليس ضد العقل، لكن بعض المسلمين استخدموه بطريقة تعيق التطور.

5-7- الفصل بين الدين والسياسة

رفض استخدام الدين في السياسة، وكان يرى أن الدين علاقة شخصية بين الإنسان وربه حيث أكد في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" (1938) أن الدولة الحديثة يجب أن تُبنى على أسس مدنية وليس دينية و كان ضد الإسلام السياسي، لكنه لم يكن معاديًا للإسلام كدين.

6-7- موقفه من المسيحية والأديان الأخرى

كان منفتحًا على دراسة الأديان الأخرى، وكتب بأسلوب محايد عن تاريخ المسيحية والإسلام و دعا إلى التسامح الديني والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر.

باختصار،طه حسين كان مفكرًا إسلاميًا تنويريًا، دعا إلى فصل الدين عن السياسة، وإصلاح التعليم الديني، واستخدام العقل والنقد العلمي في دراسة التراث الإسلامي رغم أنه تعرض لاتهامات بالإلحاد إلا أنه لم يكن ضد الدين، بل كان يسعى إلى تحديث الفكر الإسلامي وجعله أكثر انفتاحًا على التطور والحداثة.

8-التوجهات الاجتماعية لطه حسين:

طه حسين مع مجموعة من الشخصيات

طه حسين كان مفكرًا تقدميًا وإصلاحيًا ودعا إلى المساواة الاجتماعية، وحقوق المرأة، وإصلاح التعليم، والعدالة الاجتماعية كما تأثرت أفكاره بالفكر الأوروبي، لكنه حاول تطبيقها في السياق المصري والعربي بطريقة تحترم الهوية الثقافية.

1-8- دعم العدالة الاجتماعية والمساواة

كان طه حسين يؤمن بأن المجتمع لا يمكن أن يتقدم بدون تحقيق العدالة الاجتماعية حيث انتقد الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، ودعا إلى توزيع أكثر عدلًا للثروة و شدد على أن الفرص يجب أن تكون متاحة للجميع، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية.

2-8- إصلاح التعليم كمفتاح للنهضة

كان يرى أن التعليم هو الوسيلة الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية، عندما تولى وزارة المعارف عام 1950، أعلن طه حسين أن "التعليم كالماء والهواء، حق لكل مواطن"، وساهم في جعل التعليم مجانيًا في مصر كما انتقد نظام التعليم التقليدي الذي يعتمد على الحفظ، ودعا إلى تعليم حديث قائم على التفكير النقدي والعلمي.

3-8- دعم حقوق المرأة

كان من أوائل المفكرين الذين دافعوا عن تعليم المرأة ومشاركتها في الحياة العامة و أكد أن تحرير المرأة لا يعني فقط تحريرها من القيود الاجتماعية، بل أيضًا منحها حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية كما انتقد بعض التقاليد الاجتماعية التي تعيق تقدم المرأة، ودعا إلى مساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات.

4-8- الحداثة والتحديث الاجتماعي

دعا إلى التحرر من التقاليد الاجتماعية المتخلفة التي تعيق التطور كما رأى أن الانفتاح على الثقافة الغربية لا يعني التخلي عن الهوية المصرية، بل يمكن الاستفادة من التقدم العلمي والاجتماعي في الغرب و هو ما جعله ينتقذ العادات القديمة التي تفرض قيودًا على التفكير والإبداع.

5-8- التسامح الديني والتعايش الاجتماعي

كان يؤمن بضرورة التسامح بين المسلمين والمسيحيين في مصر، ورأى أن المجتمع المصري يجب أن يكون موحدًا بغض النظر عن الدين كما دعا إلى احترام الأديان المختلفة، وعدم استخدام الدين كأداة للتمييز الاجتماعي.

6-8- موقفه من الفقر والاقتصاد

رفض طه حسين الاستغلال الاقتصادي الذي كان يمارسه كبار الملاك ضد الفلاحين و دعا إلى إصلاحات زراعية وصناعية توفر فرص عمل وتحسن مستوى معيشة الطبقات الفقيرة.
من هنا، يتبين أن طه حسين كان  إنسانا  إصلاحيًا اجتماعياً، دعا إلى المساواة بين الطبقات، وتعليم المرأة، والتحديث، والتسامح الديني حيث كانت رؤيته تعتمد على أن التعليم والثقافة هما مفتاح النهضة الحقيقية للمجتمع.

9- وفاته وإرثه:

توفي طه حسين في  28 أكتوبر 1973 بعد حياة مليئة بالعطاء الفكري والثقافي و لا تزال أعماله تُدرّس وتناقش في العالم العربي كونه يُعتبر أيقونة في الدفاع عن حرية الفكر وحق الجميع في التعليم و  مفكرًا موسوعيًا، ترك إرثًا أدبيًا وفكريًا عظيمًا. 




.